العقيدة الأشعرية فى الصفات

 عقيدة الأشاعرة في الصفات


تقوم عقيدة الأشاعرة في الصفات على أصل عظيم من أصول التوحيد، وهو تنزيه الله تعالى عن مشابهة المخلوقات، مع إثبات ما أثبته لنفسه من الصفات على الوجه اللائق بجلاله، بلا تشبيه ولا تعطيل. فالطريق عندهم وسطٌ بين طريق المشبِّهة الذين شبّهوا الله بخلقه، وطريق المعتزلة الذين عطّلوا صفاته.
أولاً: الأساس القرآني للعقيدة
يستند الأشاعرة في أصلهم هذا إلى نصوص القرآن الكريم المحكمة، وأعظمها قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: 11]، وهي آية جامعة في نفي المماثلة وإثبات الصفات. فالآية نفت أولًا المثلية، ثم أثبتت السمع والبصر، ليكون الإيمان بها مقرونًا بالتنزيه. وقال تعالى: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الصافات: 180]، أي تنزيهاً له عمّا يتوهمه الواصفون من صفات النقص أو صفات الأجسام.
ثانياً: موقف الأشاعرة من نصوص الصفات
يقسّم الأشاعرة نصوص الصفات إلى نوعين: صفات محكمة يُثبِتونها كما وردت مثل العلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، والحياة؛ لأنها صفات كمال لا إشكال فيها. وصفات متشابهة كـ«اليد» و«الوجه» و«الاستواء» و«النزول»، فيقولون: الأصل فيها التفويض، أي نؤمن بها على الوجه اللائق بالله من غير تكييف ولا تشبيه، وإن اقتضت المصلحة جاز تأويلها بما يليق بجلال الله دفعًا لتوهم التجسيم.
ثالثاً: دليلهم العقلي
ينطلق الأشاعرة في تقرير العقيدة من قاعدة عقلية هي: “كل ما أدى إلى التشبيه أو التجسيم فهو باطل”. فالعقل يدل على أن الله ليس بجسم، ولا تحلّ به الحوادث، ولا يحدّه مكان ولا زمان؛ لأن ذلك من صفات المخلوقين. ولو كان الله جسمًا لكان محدودًا، والحدّ يقتضي النقص، والله تعالى منزه عن النقص.
رابعاً: مواقف أعلام الأشاعرة
قال الإمام أبو الحسن الأشعري (324هـ) في كتابه الإبانة عن أصول الديانة: “نقول في جميع ما تنازع الناس فيه من الصفات إن الله لا يُشبَّه بخلقه، ولا تُكيَّف صفاته، ولا يُقال في صفاته كيف.”
وقال إمام الحرمين الجويني (478هـ) في الإرشاد: “من زعم أن الله استوى على العرش استقرار الأجسام فقد كفر، لأن الله لا تحويه الجهات.”
وذكر أبو بكر الباقلاني (403هـ) في التمهيد: “اليد إذا أضيفت إلى الله لا يجوز حملها على الجارحة، بل على النعمة أو القدرة، إذ الجارحة من صفات الأجسام.”
وقال الفخر الرازي (606هـ) في أساس التقديس: “كل لفظ أوهم التجسيم فإما أن نؤوله تأويلاً سائغًا، أو نفوض علمه إلى الله، وكلا الطريقين سائغ عند المحققين.”
وقال البيضاوي في طوالع الأنوار: “الواجب في الصفات أن يُثبت لله ما أثبته لنفسه من غير تشبيه، ويُنزه عمّا نزّه نفسه عنه من غير تعطيل.”

خامساً: التفويض والتأويل
يرى جمهور الأشاعرة أن النصوص المتشابهة في الصفات تُفهم على أحد وجهين:
1. التفويض: وهو الإيمان باللفظ مع تفويض المعنى إلى الله، كما قال تعالى: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِندِ رَبِّنَا﴾.

2. التأويل: عند وجود خطر التشبيه، فيؤولون اللفظ بما يدل عليه السياق من معانٍ لائقة بالله، كقولهم إن “اليد” بمعنى “القدرة”، و“النزول” بمعنى “نزول رحمته وأمره”. والغاية من التأويل ليست رد النص، بل حفظ جناب التوحيد.


سادساً: ردّهم على شبهات التجسيم
يؤكد الأشاعرة أن الألفاظ التي وردت في الكتاب والسنة لا تدل على التجسيم، لأن العرب تستخدم المجاز كثيرًا في التعبير. فالاستواء في لغة العرب يأتي بمعنى القهر والعلو، قال تعالى: ﴿لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ﴾ أي لتستقروا وتعلوا، وليس بمعنى الجلوس. فكيف يُفهم من استواء الله على العرش أنه جلوس؟! وكذلك “اليد” في قوله تعالى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾، المراد بها القدرة والعطاء، كما فسره السلف والعلماء من غير تجسيم.
سابعاً: مقارنة بين منهج الأشاعرة والسلف
ليس الخلاف بين الأشاعرة والسلف في أصل الإيمان بالصفات، بل في كيفية فهمها. فالسلف يثبتون الصفات ويفوضون معناها، فيقولون: “نمرّها كما جاءت، بلا كيف ولا تمثيل.” أما الأشاعرة فبعضهم يوافق السلف في التفويض، وبعضهم يؤول المعاني التي قد تُفهم على ظاهر التجسيم. وكلا الفريقين متفقان على أن الله منزه عن مشابهة المخلوقات. قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: “طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم، فمن وجد في قلبه القدرة على التسليم فذاك الأفضل، ومن خاف على العامة من الشبهات فالتأويل أولى.”
خاتمة
إن عقيدة الأشاعرة في الصفات تمثل الوجه الوسط لعقيدة أهل السنة، فهي تجمع بين النص والعقل، والإثبات والتنزيه. وقد سار عليها جمهور علماء الإسلام في المذاهب الأربعة، وكان مقصدهم صيانة العقيدة من الانحرافات التي تُفضي إلى تشبيه الله بخلقه. يقول الإمام الغزالي في الاقتصاد في الاعتقاد: “من ظنّ أن الله في جهة فقد حدَّه، ومن حدَّه فقد جهلَه.” فالأشاعرة يثبتون الصفات على الوجه الذي يليق بجلال الله، من غير تعطيل ولا تشبيه، عملاً بقول الله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾.

---
أهم المراجع الأشعرية في باب الصفات
الإبانة عن أصول الديانة – أبو الحسن الأشعري
التمهيد في أصول الدين – أبو بكر الباقلاني
الاقتصاد في الاعتقاد – أبو حامد الغزالي
الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد – إمام الحرمين الجويني
أساس التقديس – فخر الدين الرازي
شرح العقيدة الطحاوية – بدر الدين بن جماعة
شرح صحيح مسلم – الإمام النووي
فتح الباري – ابن حجر العسقلاني
تفسير القرطبي – القرطبي الأندلسي


تعليقات